إنّ هذا الحديث محيّر يحفز على التّفكير.

>> الاثنين، 1 ديسمبر 2008

تعدّ أحاديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم المصدر التّشريعيّ الثاني بعد القرآن. فمنها أقوال الرّسول وأفعاله ومنها الأحاديث القدسيّة.
ويروي أحد الأحاديث القدسيّة حكاية رجلين متواخيين، كان أحدهما يذنب،والآخر مجتهد في العبادة فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذّنب فيقول له:أقصر،فقال:خلّني وربّي،أبُعثت عليّ رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الجنّة فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند ربّ العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت عالما بي أو كنت على ما في يدي قادرا؟ وقال للمذنب:اذهب إلى الجنّة برحمتي،وقال للآخر:اذهبوا به إلى النّار" .
إنّ هذا الحديث محيّر يحفز على التّفكير.
وهو لا يفيد البتّة استهانة بأداء الواجبات الدّينيّة ولا استخفافا بالاجتهاد في العبادة
ولكنّه في رأينا يضمر دلالتين رمزيّتين أساسيّتين:
+ منطلق الأولى تساؤل بديهيّ: لماذا قرّر الله تعالى أنّ المجتهد في العبادة يدخل النّار؟ لا شكّ أنّ المجتهد لم يعاقب لاجتهاده في العبادة. والحديث نفسه يصرّح بذنب هذا المجتهد.إنّ الله تعالى يؤاخذ المجتهد بحكمه على الآخر حكما لا يمكن أن يكون إلاّ من قبل الله وحده ولا يجوز للإنسان إثباته في الحياة الدّنيا.
أن تحكم على الآخر
أن تقرّر أنّه كافر
أو أنّ مآله النّار
أو أنّ الله لن يغفر له
يفيد أنّ الإنسان يتكلّم باسم الله تعالى
وأنّه ينتصب في موضع الله العليم ليثبت حقيقة.
فإذا علمنا أنّ الله وحده يمتلك الحقيقة بدا لنا واضحا أنّ الحكم على الآخر وجه من وجوه عبادة الذّات أي وجه من وجوه الشّرك.
لذلك ليس من الغريب أن نجد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقرّ أنّ "من رمى مؤمنا بكفر فكأنّه قتله"، فالعلاقة بين الشّرك والقتل وطيدة إذ كلاهما من الكبائر الجوهريّة الّتي لا يختلف فيها المفسّرون ولا الفقهاء.

إنّ من يتكلّم باسم الله تعالى يتكلّم من موضع المعرفة المطلقة الّتي لا يملكها إلاّ الله،
والإنسان بذلك ينفي حدوده
وينكر نسبيّته البشريّة
ويدّعي قدرة لا يمتلكها هي قدرة الحكم المطلق على الذّات أو على الآخر.

إنّ القرآن يؤكّد أنّ اختلاف النّاس في الدّنيا أمر جوهريّ وأنّ الله عزّ وجلّ هو الّذي يكشف لهم الحقيقة في الآخرة: يقول الله تعالى: " ... فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون" (سورة المائدة، الآية 48).

استنادا إلى ما سبق تبدو الدّلالة الرّمزيّة لهذا الحديث القدسيّ واضحة: إنّه ينذر كل من تسوّل له نفسه أن يسند آراءه البشريّة النّسبيّة إلى الله عزّ وجلّ.

إنّ بعض المسلمين في محاولتهم تجاوز حدود الإدراك البشريّ والكلام على لسان الله تعالى إنّما يعبدون ذواتهم متوهّمين أنّهم يعبدون الله.

ولكن لنعد إلى الحديث.
فقد قرّر الله تعالى أنّ المذنب يدخل الجنّة.
قال الله تعالى: "اذهبوا به برحمتي إلى الجنّة"

إنّ مفهوم الرّحمة يمكّننا من أن نتناول مسألتي العقاب والثّواب من منظور مختلف.

يعتقد كثير من المسلمين واهمين
أنّ إنجاز بعض الأفعال
والقيام ببعض الأعمال
والسّلوك بطريقة معيّنة
هي وحدها ضمانات كافية للدّخول إلى الجنّة.

يرى هؤلاء المسلمون
أنّ الالتزام بأحكام الشّريعة الإسلاميّة هو ضامن للثّواب
بل يعتقد البعض أنّ الالتزام بالأحكام هو طريق الخلاص الوحيدة.

وعندئذ تأخذ الأحكام رمزيّا موضع الإله

ذلك أن الإنسان يتصوّر أنّه بفضل تضحياته المتواصلة والتزامه المطلق بالأحكام قد استطاع بمقدرته البشريّة أن يحقّق السّلوك القويم المنشود.
ويتصوّر الإنسان أنّه هو الفاعل والمقرّر.

في حين أنّ هذا التّصوّر موهوم
إذ ينسى الإنسان أنّ الشّريعة أو القانون الإلهي ليست هدفا وغاية في حدّ ذاتها وأنّ تطبيقها ليس ضامنا للفضيلة.
كما ينسى أنّ رفض الذّنب لا يُدخل في الإيمان بل إنّه كثيرا ما يعمّق الغرور"
وينسى خصوصا أنّ الخلاص ليس في تطبيق القانون أو تأليهه ولكنّه في رحمة الله.
والرّسول يؤكّد هذا الموقف إذ يقول:"لن يُدخل أحدا عمله الجنّةَ،قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال لا ولا أنا إلاّ أن يتغمّدني الله بفضل ورحمة" .

إنّ موقف الرّسول هذا يعسر فهمه ممّن يربطون ربطا آليّا بين تطبيق الأحكام والدّخول إلى الجنّة.
إنّ موقف الرّسول يذكّر بأنّ رضا الله عنّا ليس حقّا نكتسبه بتطبيق القانون ولكنّه شأن الحياة هبة يمنّ بها الله على من يشاء من عباده.
إنّ كلّ واحد منّا يمكن أن يجد المغفرة عبر رحمة الله الّتي تسع كلّ شيء.


إنّ امتناع الإنسان من الحكم على الآخر واعتقاده أن مصيره خاضع لرحمة الله تعالى يؤكّدان شعور الإنسان بالتّواضع الجوهريّ وبحدوده البشريّة فيلج المسلم بذلك مجال الإيمان بالله والثّقة فيه والاستسلام لمشيئته




Dr Olfa Youssef

0 التعليقات:

Stop

first radio Interdit Moins 18 ans SVP

My twitter

    follow me on Twitter

    Best Music

    USA Stat

    Flags of visitors

    free counters

    Live from Facebook

    About This Blog

    La tunisie est un pays

    opinion about my blog

    Lorem Ipsum

    هل تونس بلد

      © Blogger templates Palm by Ourblogtemplates.com 2008

    Back to TOP