أتباع الاديان بصورة عامة يكرهون حقيقة التطور
>> الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008
حين يذكر التطور في حديث ما ، نجد ان أكثر تعليقات المسلمين تكاد لا تخلو من تهجن وتهجم على العالم تشارلز داروين، وفي اكثر هذه التعليقات تجد خلواً للمنطق والنقاش العلمي، فما مشكلة العرب المسلمين مع التطور بصورة عامة؟ ومع تشارلز داروين بصفة خاصة؟
الجواب على السؤال الاول يكمن في أن أتباع الاديان بصورة عامة يكرهون حقيقة التطور بسبب جزئية في نظرية التطور وليس ضد أغلب النظرية ، ولكنهم كرد فعل يحاربون النظرية ككل ، لأن موافقتهم على الجزء تعني موافقتهم على الكل... الجزئية التي أتحدث عنها هنا هي مسألة إنحدار الانسان من كائنات تطورت عن القردة، وهو الجزء الذي يدفع المؤمنين الى فقدانهم صوابهم، فالمؤمن يعيش في عالم خرافي ساحر ، هو فيه الاذكى ، الاسرع ، الاجمل و الاكثر قرباً للكمال... فالمؤمن هو نصف اله قام بخلقه اله كامل ، وهو أعلى مرتبة من باقي الكائنات لأن ربه أبدع خلقه وتصميمه (لو كان هذا صحيحاً لكانت كل النساء تشبه ألهة الجمال فينوس وكان جميع الرجال يشبهون يوسف، وإن كان تصميم الله ذكياً وحكيماً لما كان هناك معوقون ومشوهون بالولادة... ستقولون إختبارات إلهية و إمتحانات ربانية ... سأقول إنها غبية وبدون معنى ، فلماذا يختبر شخصاً دوناً عن شخص أخر ، أليس هو الذي يدعي العدالة ، إذن فلتكن إختباراته متوازنة مع قدراته وعادلة في فحواها كإدعائه... أيترك الكون يسير بدون وجهة ليجلس هو فيشوه خلقة هذا ويصدم سيارة ذاك ويشعل بركاناً هنا وزلزالاً هناك ... لماذا لأنه غاضب ويحب ان يختبر خلقه، فكروا قليلاً هنا وستجدون أن لا معنى لكل هذا وإن كل شيء يحصل حولنا هو نقض صريح لوجود خالق عادل حكيم أو كما يحب البعض تسميته بالصانع ، وإسمحوا لي بأن أقول بأنه صانع فاشل) ، المؤمن هو أذكى وأفضل من باقي الكائنات التي سخرها له ربه لخدمته وخدمته هو فقط (كم يشبه ذلك المباديء الفاشية والنازية والتسلسات الهرمية التي تضع شخصاً فوق قمة الهرم سواءٌ أكان هذا الشخص الهاً أو بشراً)، وبالنتيجة فإن الانسان المؤمن هو أعلى مرتبة من باقي الكائنات ولا يقبل على نفسه وكرامته بأن يكون منحدراً عن قرد ولكنه لا يمانع أن تكون حياته عبارة على عيش إتكالي على باقي الحيوانات والنباتات والتي قد يموت بدون وجودها (المسواك مثلاً).
في عددها الصادر في شهر أكتوبر الماضي، نشرت مجلة ناشيونال جيوكرافيك مقالة تتحدث عن فك الشفرة الجينية لإنسان النياندرتال Neanderthal ، أحد أقرب أجداد البشر من الانسان الحديث من الناحية الزمنية، والذين إختفت أثارهم قبل حوالي 43000 الى 28000 سنة من يومنا هذا ليتركوا خلفهم الالاف العظام مدفونة هنا وهناك، المهم ، الجديد في الموضوع هو أن فك الشفرة الجينية للنياندرتال هو خطوة جبارة من محاولات البشر لأكتشاف أصولهم عن طريق الغوص في ماضيهم التطوري تدريجياً وإيجاد ما يمكن إيجاده بمساعدة التقنيات الجديدة في مجال تحليل الشفرة الجينية والتي ليس فيها مجال للشك وإثبات علمي دامغ أخر لحقيقة التطور والبقاء للأصلح... فقد وجدت الدراسة إن الانسان الحديث وإنسان النياندرتال كان لهم أصل واحد حتى قبل 700000 سنة من يومنا هذا، وبعد ذلك كان هناك إنفصال تدريجي حتى أنفصلوا كلياً قبل 370000 سنة، فظهر الانسان الحديث والذي تطور عن الاصل المشترك القديم والذي يدعى homo heidelbergensis وبقي إنسان النياندرتال والذي تطور عن نفس الاصل ليأخذوا خطين تطوريين منفصلين وليعيشوا جنباً الى جنب الى أن انقرض النايندرتال كلياً قبل حوالي 28000 فبقيت فصيلة ما يعرف بالانسان الحديث لأنها ببساطة كانت أصلح للبقاء (تلاحظون في الشكل الثاني أدناه أنه رغم صفات النياندرتال التي تتميز بالقوة والتأقلم مع الظروف الجوية مما جعل حاجته اليومية للغذاء أعلى من الانسان الحديث بحوالي الضعف في زمن شحت فيه الموارد الغذائية وخصوصاً إن النياندرتال إعتمد على الصيد في الحصول على غذائه مما يعتقد انه ساهم في إندثاره) . في الشكليين التاليين قمت بترجمة الصور التوضيحية التي نشرت مع الموضوع والتي يتضمن الشكل الاول منها الطريق التطوري الذي سلكه إنسان النياندرتال والانسان الحديث وأصلهم المشترك والشكل الثاني هو مقارنة بين بعض صفات النياندرتال و الانسان الحديث:
وفي خبر أخر ذو علاقة نشر في عدد يناير لهذا العام من نفس المجلة، تقوم شركة IBM وبشراكة مع عدد من المؤسسات العلمية وكذلك مع مجلة الناشيونال جيوكرافيك بمشروع مدته خمسة سنوات يدعى بالـ Genographic Project يتضمن تحليل الحمض النووي لمائتي الف متطوع من مختلف أرجاء العالم بإستعمال كمبيوترات متقدمة جداً لغرض معرفة الكيفية التي إنتشرت بها السلالة البشرية حول الارض، وتحديد العصور والاصول المختلفة لمختلف الحضارات.
إن تطور أجهزة الحاسوب وإزدياد تجارب التحليل الجيني والحمض النووي قد بدأت تؤتي ثمارها في كشف إصول الانسان وإثبات حقيقة تطوره تدريجياً من إصول اخرى ، وما هي إلا مسألة وقت حتى تكتمل الاحجية وتتوفر الاجابات العلمية والاثباتات على الكثير من أسئلة البشر والتي شغلت عقولهم لألاف السنين.
أعود الان الى الشطر الثاني من التساؤل الذي طرحته في بداية الحديث ... ألا وهو لماذا داروين بالتحديد ؟ نعم ، إن داروين قد كرس جل وقته في بحوث التطور ، وربما له فضل كبير في وصول العلم التطوري الى ما هو عليه ، ولكن هل هو صاحب الفكرة؟ وإن لم يكن هو فلماذا يركز الاسلاميون غلهم وغضبهم عليه هو ويتركون غيره ممن ساهموا في تطور هذا العلم المهم مثلهم مثل داروين؟
وهنا أود المرور على اصول الفكر التطوري ونشوء هذا العلم ، فأين كانت البداية ... قد يستغرب البعض حين أقول أن بداية فكرة التطور قد سبقت ظهور المسيحية والاسلام ، وهي تعود الى ما قبل القرن السادس قبل الميلاد ، فقد ناقش الفيلسوف اليوناني اناكسيماندر Anaximander مسألة الاصول المشتركة للكائنات الحية، وكذلك الفيلسوف اليوناني إيمبيدوسيليس Empedocles والفيلسوف الروماني لوكريتيوس Lucretius ، ومن بعدهم العالم العربي الجاحظ Al-Jahiz والفيلسوف الفارسي إبن مسكويه Ibn Miskawayh و الفيلسوف الصيني Zhuangzi (على فكرة فلسفة زوانغ زي بديعة وتستحق القراءة ، وللأسف لا يوجد مراجع عربية بخصوص أعماله على النت) وكذلك في أعمال ونقاشات جماعة إخوان الصفا Brethren of Purity (وهم جماعة من الفلاسفة والعلماء العرب ظهرت في حدود القرن العاشر الميلادي و عملت في الخفاء في مدينة البصرة العراقية، فكانوا يجتمعون ثلاث مرات كل شهر ليناقشوا مختلف العلوم والافكار من الرياضيات والموسيقى حتى الفلك والعلوم الطبيعية، وكانت خلاصة عملهم ما يعرف بموسوعة رسائل إخوان الصفا والتي كان هدفها التقريب بين العلوم والدين و الفلسفة والدين في عصر ساد فيه الاعتقاد أن الدين والفلسفة لايتفقان وإن من يتمنطق فقد تزندق، وإنتهى بهم الامر في الاخذ بالشيء ونقيضه في نفس الوقت فتجد إستنتاجاً علمياً فلسفياً منطقياً وطرحاً دينياً يتناقض معه في الوقت نفسه، و أعمالهم أثرت في الكثير من الفلاسفة من بعدهم كإبن سينا).. كانت مفاهيم الفكر التطوري بمفهومه الحديث قد ذكرت في أكثر من مكان ضمن أعمال أخوان الصفا، مما دعى الكثير من الباحثين الحديثين[1] والذين قاموا بدراسة هذه الرسائل الى القول بأن إخوان الصفا كانوا يعتقدون بالتطور بمفهومه الحديث .. كما يظن بعض الباحثين[2] أن رسائل إخوان الصفا والتي تمت ترجمتها الى الانكليزية بحدود عام 1812 قد تكون أثرت في تشارلز داروين وعمله على مسألة التطور.
ومع تطور العلوم البايولوجية في القرن الثامن عشر، عاد الفكر التطوري ليظهر بقوة بين العديد من فلاسفة الطبيعة والعلماء الغربيين ومنهم الفرنسي بيير موبيغتو Pierre Maupertuis في عام 1745 والعالم الفيزيائي وفيلسوف الطبيعة إرسموس داروين Erasmus Darwin في عام 1796 (على فكرة أيرسموس داروين هو جد تشارلز داروين)، وبعدها جاءت أفكار العالم البايولوجي والاكاديمي الفرنسي الشهير لامارك Jean-Baptiste Lamarck والذي كانت لبحوثه وأفكاره في مجال تحول الاجناس transmutation of species الاثر الكبير في إحداث قفزة في الفكر التطوري. وبعد ذلك بدأ تشارلز داروين في العمل على نظريته في عام 1838 وإستمر في العمل عليها وتطويرها حتى حوالي عام 1858 وهو العام الذي أرسل إليه فيه العالم البريطاني الفذ ألفريد رسل والس Alfred Russel Wallace نظرية مشابهة، وهكذا قرر الاثنان عرض إكتشافهما بصورة منفصلة في الـ Linnean Society of London (وهي إحدى أرمق وأقدم الجمعيات العلمية التي تبحث في العلوم الطبيعية) ، وتمخض هذا عن نشر داروين لكتابه أصل الاجناس The Origin of Species والذي شرح فيه قوانين الانتخاب الطبيعي بالتفصيل والادلة العلمية مما أكسبه قبولاً واسعاً في الاوساط العلمية.
في عام 1865 جاء مندل Gregor Medel بقوانينه الشهيرة للوارثة ليضع حجر الاساس لعلم الجينات والوراثة، وكانت قوانين مندل تبتعد بالاتجاه مع بعض أجزاء نظرية داروين، إلا أنه وفي عام 1930 جاء العالم البايولوجي البريطاني رونالد فيشر Ronald Fisher والذي كان يعمل على هذه المسألة بالتحديد ليضع صيغة جديدة أغلقت الفجوة بين المندلية والدارونية ليكتمل بذلك بناء أركان العلم التطوري الحديث وتثبت ركائزه العلمية، وبحلول عام 1940 كان لتحديد الـحمض النووي أو الـ DNA من قبل العالم الامريكي أوزولد أفري Oswald Avery الدور الكبير في المساهمة بإثبات الطريقة الملموسة والتي تنتقل بها الصفات الجينية بين الكائنات مما اعطى الفكر التطوري دفعة جديدة ، ومن ثم قام الامريكي جيمس واتسون James Watson و البريطاني فرانسيس كريك Francis Crick في عام 1953 بدارسة وإكتشاف المكونات الاساسية للـ DNA ،مما مثل نقلة أخرى قدماً للتطور. وهكذا في خمسينيات القرن الماضي أصبح علم الجينات هو العنصر المركزي في العلم البايولوجي التطوري.
والأن أعود لأطرح سؤالي ثانية ، لماذا يسب المعلقون المسلمون داروين فقط؟ فهو مجرد واحد من العديد من العلماء الذين ساهموا في بناء العلم التطوري الحديث... هل ربما لأن جده أرسموس عمل على الموضوع كذلك ؟ أم ربما لأنهم لا يعرفون إن الجاحظ و إخوان الصفا مشتركون كذلك في المؤامرة؟ أو ربما الجواب يكمن في كوننا أمة تحب الشتم والتهكم لغرض الشتم فقط؟ أو الجواب الاكثر ترجيحاً وهو إننا امة ضحكت من جهلها الامم وسنبقى كذلك ما دام المدعوذون هم من يقودون هذه الامة... ألا يكفي أن لا تكون لنا ناقة أو جمل أو دور فعال في تطور العلوم والثورة التكنولوجية التي تزدهر بباقي العالم قدماً ونرجع نحن بالاسلام الى الماضي السحيق؟ فإفتح عينيك وإنظر أين تقف قبل أن تفتح فمك لتكرر أقوال المدعوذين كالببغاء.
2 التعليقات:
Je me permet de vous poster quelques remarques consernant votre blog, qui se pretend etre un blog Tunisie, d'apres l'etiquette: La Tunisie Dabord.
1. Je ne vois aucun poste parlant de la Tunisie, a part le poste qui defend Naoufel Masri, un bloggeur qui ne repond pas aux questions des internautes, et qui ne laisse meme pas la possibilite de lui poster un commentaire.
1. Ce que vous appelez La vraie histoire d'hisrael n'a rien a voir avec la Tunisie.
Pareil pour le Koweit, Saddam Hussein, ...
pe t etre
إرسال تعليق