ندمي على التصريح بآرائهم اللادينية

>> الثلاثاء، 7 أكتوبر 2008

دخلت منذ فترة قريبة في أكثر من حوار مع العديد من الأصدقاء اللادينيين في حوار كان ملخص مجراه هو ندمهم على التصريح بآرائهم اللادينية في مجتمع ليس مهيئا للاستماع أو لاحتمال هذه الآراء. وقد كان يوجد هناك شبه إجماع – ما عداي - أن الطريقة الأفضل لإصلاح حال المجتمعات الإسلامية هو الابتعاد قدر الإمكان عن المواجهة المباشرة مع صحة العقيدة بحد ذاتها والتركيز على محاولة عقلنة هذه العقيدة وموائمتها مع قيم العصر الحالية والتركيز على قيم التسامح والعلمانية أكثر من محاولة نشر خطاب لا تحتمله مجتمعاتنا المتخلفة الشبه أمية.

أريد هنا بيان وجهة نظري المعاكسة لهذا التوجه وقناعتي بأن نشر الفكر اللاديني ومحاربة الفكر الغيبي بكل اشكاله – وليس الإسلام تحديدا – لا يقل أهمية، بل برأيي يفوق أهمية محاولة الإصلاح والعصرنة الجارية حاليا وفي كل الأحوال لا يتعارض معها.

سأبدأ أولا ببيان نقاط ضعف الفكر الإصلاحي وفشله شبه الكامل في تحقيق نتائج إيجابية ثم أتابع في ضرورة نقد الدين والفكر الغيبي مباشرة وبدون مواربة ثم أنهي بيان أهمية كل من الطريقتين وعد تعارضهما.

أولا، الفكر الإصلاحي:

قد لا يعرف البعض أن محاولات عقلنة وإصلاح الفكر الإسلامي لم تبدأ مع الهجمة السلفية الحالية، فهي ليست حديثة على الإطلاق، إذ بدأت منذ أواسط القرن التاسع عشر مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدة، أي منذ مائة وخمسون عاما، وقد أيد هذه المحاولات ازدياد الاحتكاك بين الشرق والغرب في فترة الاستعمار والانفتاح التدريجي والاطلاع على منجزات الحضارة الغربية ثم مقارنتها بالأوضاع البائسة في شرقنا.

وعلى طول هذه الفترة وباستثناء بعض المفكرين الذي لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، لم يجرؤ أحد من الإصلاحيين على التشكيك بالدين بحد ذاته بصريح العبارة وتوجيه النقد المباشر له كفكر غيبي يفتقر إلى الدليل وفضلوا – سواء عن قناعة بصحة الدين أو كتمويه للوصول إلى الهدف خوفا من المواجهة – معالجة نتائج وأعراض الدين عوضا عن المرض بذاته. واتبعوا عدة طرق أذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر:

- ضرورة إعادة تفسير النص الديني بناء على معارف العصر وقيمه.
- تجاهل السنة (وتاريخية النص إجمالا) والاعتماد على القرآن وحده كنص خارج عن المكان والزمان.
- التركيز على النصوص التي تتفق مع روح العصر وقيمه وتجاهل أو نسيان ما يخالفها.

مزجوا هذه المناهج مع تأكيدهم المستمر على إسلامهم وإيمانهم – مرة أخرى، بقناعة أو بغير قناعة- وغيرتهم على الدين ممن "يحاولون تشويهه" ومن "أصحاب العقليات المتحجرة" وما إلى ذلك من التعابير.

مشكلة هذه الطريقة في الإصلاح باختصار هي أن المصلح يلعب في ملعب الشيخ الكاهن ووفق قواعد لعبة حددها هذا الشيخ !!

فالمصلح عندما يبدأ عرض حجته بالاعتراف بالرسالة والنبوة وصحة القرآن وعصمته وكون الإسلام هو دين الحق يكون قد خسر ثلاثة أرباع النقاش قبل ان يبدأ به، وحصر نفسه في زاوية ضيقة يستطيع الشيخ التقليدي فيها تفنيد كلامه بكل يسر وتعريته منطقيا تماما أمام القراء أو متابعي النقاش، حيث يبدو المصلح كمدلس يحاول تحميل النص بمعان لا يحتملها على الإطلاق ولوي عنق اللغة بحيث تتفق مع أهوائه وآرائه.

والمصلح هنا دوما في حالة دفاع عن النفس أمام هجوم المشايخ ومضطر دوما إلى تبرير مواقفه والتأكيد المستمر على صحة إسلامه مما يعطي انطباعا سلبيا تماما أمام القارئ. ويعزز هذا الموقف من غرور الشيخ الذي جعل المصلح يرقص على أنغام مزماره ويلعب في ملعبه وأمام جمهوره بدون أي جهد.

اتبعت معظم الأحزاب التي تطلق على نفسها علمانية (مثل البعث والقومي السوري) هذا الأسلوب في تطبيق العلمانية، أي تمجيد الإسلام وتعظيمه لفظيا واستخراج اي نصوص من تراثه تتفق مع طروحاتهم "التقدمية" وإبرازها وتجاهل معاكساتها.

وقد بدا لفترة أن هذا الأسلوب قد نجح وأن المشكلة في طريقها إلى الزوال خصوصا في فترات المد الليبرالي في زمن الوصاية الأجنبية وبعده زمن المد اليساري بعد الاستقلال. حيث ضعف بشكل كبير صوت الإسلام السلفي أمام الموجة "التقدمية".

ومرة أخرى أقول أنه طوال هذه الفترة وبرغم الضعف النسبي للإسلام التقليدي لم يجرؤ أحد تقريبا على نقد الإسلام بشكل مباشر وصريح ومناقشة صحة طروحاته، خصوصا أن الدول البوليسية "العلمانية"" فضلت - بقصر نظر شديد - عدم الدخول في مجابهة لا داع لها برأيها مع المجتمع المحافظ وبالتالي لم تشجع، بل وقمعت من حاول التحرش بعش الدبابير.

وعند انهيار المشروع الحداثي لهذه الدول البوليسية، وجدت نفسها – ومعها الأقليات والإصلاحيين والمجتمع المدني كضحايا أبرياء لأخطائها - في مواجهة الوحش السلفي الذي فضلت عدم مواجهته في أيام ضعفه النسبي، هذا الوحش الذي وجد في الفشل الكامل لهذا المشروع الذي اختطفته الديكتاتوريات البوليسية فرصة سانحة ليقدم نفسه كبديل عنها أمام الجماهير التي فقدت ثقتها تماما بمدعي التقدمية وارتدت إلى زمن الغيبيات والحلم بالخلاص الآتي من السماء بعد يأسها من الأرض.
وجد هذا الوحش السلفي الفرصة سانحة ليصفي حسابه مع جميع أعدائه. الديكتاتوريات العسكرية ومعها العلمانية والديمقراطية والأقليات وحقوق الإنسان وقيم العصر وكل شي وأي شيء في ردة فكرية شاملة إلى الماضي قل نظيرها.

وجد هذا الوحش خواء فكريا علمانيا شبه شامل في مواجهة طروحاته التي ضاعت فرصة الرد عليها منهجيا عندما كان الأمر أسهل بكثير. وجد أمامه أفكارا إصلاحية هزيلة وملتوية وفوقية يمكن تفنديها بكل يسر من قبل أي طالب شريعة في السنة الأولى له اطلاع على مصادر التراث الإسلامي.

وهكذا وبعد قرن ونصف، مائة وخمسون عاما، ستة أجيال كاملة من "إصلاح الدين من الداخل" رجعنا إلى ما قبل نقطة الصفر وعدنا نناقش من جديد وكأن شيئا لم يحصل في هذه الفترة أحكام التعامل مع أهل الذمة وضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية وبحث هل يجوز اعتبار الشيعة – ناهيك عن العلويين والدروز والاسماعيليين - من المسلمين مرورا بالمصارف الإسلامية والطب الإسلامي ووصولا إلى مهازل الإعجاز العلمي وفوائد بول الجمال ومشروعية رضاعة الكبير وسط انهيار فكري وحضاري وأخلاقي شامل وكامل.

لا أعتقد أنه يمكن أن يفشل مشروع أكثر مما فشل المشروع الإصلاحي الإسلامي ولعله آن الوقت لتجريب مقاربة جديدة وعدم تكرار أخطاء الماضي.

في القسم القادم من هذا المقال سأحاول مناقشة ضرورة وفوائد المقاربة التي أقترحها، يسعدني سماع تعليقات الزملاء وإثراء الحوار من الكل.
تحياتي.

Amsyr

1 التعليقات:

DIDON 10 أكتوبر 2008 في 1:04 م  

votre analyse est pertinente
Il indiscutable pour moi que trouver une solution à notre situation désastreuse revient à critiquer la pensée religieuse à déterrer ses loges car elle structuralise notre inconscient mais aussi malheureusement notre conscient notre langage voir toute notre pensée .
Je vais te donner un petit exemple de tous les jours: supposant que ton ami ou un proche est malade ou bien qu'il est hospitalisé et que tu va lui rendre visite: imagine quelles sont les mots et les expression que tu vas spontanément ou même en y pensant tu ne trouvera pas de mots autres que ceux qui sont bourrés de religion de volonté divine pour souhaiter à cette personne la guérison.
Alors, comme tu l'a bien analysé il faut oser le blasphème il faut critiquer la pensée religieuse il faut dire que c'est irrationnel comme pensée qu'elle est inacceptable qu'elle nous faut honte qu'elle est cause de tous nos malheurs......
Merci pour cet article et je tiens à vous dire que vous me surprenez et j'attends à vous lire et à en discuter avec vous et d'autres internautes et ce n'est que de cette manière qu'on pourra faire de beaux projets pour notre société avec de la volonté et beaucoup de courage de rage et d'audace.
Encore merci

Stop

first radio Interdit Moins 18 ans SVP

My twitter

    follow me on Twitter

    Best Music

    USA Stat

    Flags of visitors

    free counters

    Live from Facebook

    About This Blog

    La tunisie est un pays

    opinion about my blog

    Lorem Ipsum

    هل تونس بلد

      © Blogger templates Palm by Ourblogtemplates.com 2008

    Back to TOP